قد يستغرب البعض من عنوان هذا المقال، لأنه كما هو معروف “زراعة القوقعة مفيدة ومفيدة جداً للأطفال ضعاف السمع”، ولكننا في موقع لغتي ومن خلال خبرتنا التي تجاوزت العشر سنوات في مجال علاج اللغة والنطق للأطفال ضعاف السمع، قابلنا الكثير والكثير من الأطفال الذين أجروا عملية زراعة القوقعة ولكنهم ومع كل أسف لا زالوا يستخدمون لغة الإشارة ولا ينطقون سوى بعض الكلمات القليلة !!!!. والأسف الأكبر أن أهاليهم إما محبطين ويشعرون بالتقصير اتجاه طفلهم، أو أنهم لا زالوا يتأملون أن يتكلم الطفل بشكل طبيعي بالرغم من تجاوز عمر الطفل الست أو السبع سنوات.
ترى لماذا تفشل عملية زراعة القوقعة ولا تحقق النتائج المرجوة منها؟؟!!
للإجابة على هذا السؤال لا بد من ذكر عوامل نجاح العملية وهي:
1- العمر عند إجراء العملية
يعتبر العمر أحد أهم عوامل نجاح عملية زراعة القوقعة إن لم يكن أهمها على الإطلاق، وتؤكد الدراسات جميعها أن الطفل الذي أجرى عملية زراعة القوقعة بين 1-3 سنوات، لديه نسبة عالية في أن يكتسب اللغة اللفظية وأن يدرس في مدارس طبيعية عندما يبلغ 6 سنوات من العمر، وفي دراسة أجرتها جامعة هونغ كونغ على 60 زارع للقوقعة، تراوحت أعمارهم ما بين (1- 22) سنة، تبين أن أفضل النتائج كانت بعد مرور سنتين على عملية الزراعة لدى الأطفال الذين قاموا بالزراعة قبل سن 3 سنوات، وأن المهارات اللغوية لهؤلاء الأطفال كانت أفضل بكثير من الأطفال الذين أجروا العملية بعد سن الثالثة. وطبعاً هذا لا يعني أن إجراء عملية زراعة القوقعة غير مفيد بعد سن الثالثة، ولكن النتائج تصبح أقل إذا أجريت الزراعة بين (3- 5) سنوات وذلك بسبب ضعف مرونة الدماغ (Brain Plasticity)، أما زراعة القوقعة بعد هذا العمر (للأطفال الذين لم يكتسبوا اللغة اللفظية بعد) فهي غير مفيدة على الإطلاق (من حيث اكتساب اللغة اللفظية بشكل طبيعي)، ومع هذا للأسف الشديد فإن شركات القوقعة وبعض الأطباء يصرون (لأسباب تجارية بحتة) على أن يجري الطفل عملية الزراعة مهما كان عمره، وهنا يجد الأهل أن واجبهم الديني والأخلاقي والأبوي أن يأمنوا ثمن العملية الباهظة الثمن وللأسف الجديد نجد بعض الأهالي يبيعون بيوتهم أو يقترضون من البنوك لتأمين ثمن هذه العملية، وبعد هذا كله يعيشون على أمل (لن يأتي) أن يكتسب الطفل اللغة اللفظية ويدخل مدرسة أطفال طبيعيين، ومع مرور الوقت يصاب الأهل بالإحباط ويشعرون بالتقصير والذنب لأنهم يعتقدون أنهم كان بإمكانهم تقديم شيء أفضل.
2- نوع جهاز القوقعة المستخدم في العملية
هناك الكثير من الشركات التي تصنع القوقعة أهمها Cochlear الاسترالية، MED-EL النمساوية، Advance Bionic الأمريكية.
3- مهارة أخصائي اللغة والكلام وبرنامج التأهيل السمعي اللغوي:
لا بد لكل طفل أجرى عملية زراعة القوقعة أن يخضع لجلسات التأهيل السمعي اللغوي بإشراف أخصائي لغة وكلام، الذي يقوم بدوره في وضع الخطة العلاجية للطفل وتدريب الأهالي على تطبيقها. وبدون خضوع الطفل لهذه الجلسات فإنه لن يحصل على النتائج المرجوة من العملية في الوقت المناسب.
4- مهارة الأهالي ومدى مشاركتهم في عملية التأهيل:
لا يمكن تحقيق أي تقدم بدون مشاركة فعالة من الأهل، ونقصد بفعالة هو مدى التزام الأهل باستمرارية التعلم حول ضعف السمع والتأهيل ومدى مهارتهم في إدخال اللغة اللفظية في روتينهم اليومي مع الطفل.
5- الحالة الصحية للطفل: فبعض الأطفال يعانون من أكثر من إعاقة.
6- درجة ذكاء الطفل
وبدون تحقيق العناصر السالفة الذكر ستكون عملية زراعة القوقعة بفائدة محدودة، هذا إن لم تكن غير مفيدة أبداً، وفي النهاية نرجو ألا يُفهم من كلامنا أننا ضد إجراء العملية للطفل أو أننا نشكك في نسبة نجاحها، أبداً، وإنما القصد من هذا المقال هو تنبيه الأهالي إلى ضرورة معرفة الجدوى الفعلية من العملية قبل إجرائها، فمن الضروري استشارة طبيب مختص أو معالج لغة ونطق حول مدى استفادة الطفل من العملية، فإذا وجد الأهل أن الجدوى من العملية (حسب وضع الطفل) مقبولة بالنسبة لهم فعليهم الإسراع بالعملية، كما نقصد بالمقال أيضا تنبيه الأهل إلى ضرورة أن يضعوا في الحسبان أن تأهيل الطفل سمعياً ولغوياً لا يقل أهمية عن إجراء العملية، فالعملية هي مجرد بداية لمشوار سيستغرق سنوات ، ولذلك على الأهل وضع خطة نفسية وسلوكية ومعرفية ليبدأوا بتطبيق ما يلزم من استراتيجيات لتطوير سمع ولغة الطفل، وأن يسرعوا قدر الإمكان بإجراء العملية بعد اكتشاف ضعف السمع مباشرة، وكذلك القصد من المقال توفير الكثير من الأموال على الأهالي الذين يؤدي تأمين المبلغ إلى تغيير حياتهم الاقتصادية للأسوأ (طبعاً يُقصد أهالي الأطفال الذين تجاوز عمر ابنهم الخمس سنوات ولم يتعلم اللغة اللفظية بعد).